حملة كلها حرم
النسخة الثانية
ذكر الله عزّ وجلّ المسجد الحرام في كتابه العزيز في مواضع عديدةٍ ، استدلّ بها أهل العلم من علماء ومفسّرين وفقهاء على أنّ المسجد الحرام هو الحرم كلّه . والمقصود به مكّة بحدودها المعلومة بالأعلام التوقيفية ال١١٠٤، فهي الحرم بأكمله . وليس المسجد الحرام هو ما رسخ في الأذهان ، أي فضاء الطواف والمصلّى حول الكعبة المشرّفة فقط . علمًا وأنّ الرأي الأخير مُعتمدٌ لدى بعض أهل العلم ، ويرتقي إلى مستوى اليقين عند عموم المسلمين بحكم تداول رأي بعينه وتوارثه دون غيره .
فقد قضى الله في مُحـكَم تنزيله بألاّ يقرب المشركون المسجد الحرام . وهذا النهي عن الإقتراب يشمل جميع الحرم ، مصداقًا لقوله تعالى : ” أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ إنَّمَا المُشركُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجدَ الحَرَامَ بَعدَ عَامهم هَذَا ” ( التوبة ، 28). وقال القرطبي في تفسيره “فإذا جاءنا رسول منهم -يعني المشركين -خرج الإمام إلى الحلّ ليسمع مايقول “. ثمّ أضاف :وقال عطاء بن أبي رباح : الحرم كّه قبلة ومسجد، فينبغي أن يُمنعوا من دخول الحرم ، لقوله تعالى : ” سُبحانَ الذي أَسرى بعَبده لَيلا منَ المسجد الحَرَام”(الإسراء،١) ، فقد أُسـريَ بالرسول صَلَّى الله عليه وسلّم وهو نائم في بيته ، وفي رواية أخرى بيت أمّ هانئ، وهو مايعني أنّ الأسراء انطلق من مكّة وليس من المسجد.
وممّا يؤكّد أنّ المقصود بالمسجد الحرام هو البلد الحرام المحدّد بالأعلام كذلك قوله تعالى:” ذَلكَ لمَن لم يَكُن أَهلُهُ حَاضري المَسجد الحَرَام”(البقرة ،196 )، فحاضرو المسجد الحرام في هذا الموضع هم أهل الحرم ، ومن ذلك يُستدلّ على أنّ المقصود بالمسجد الحرام في هذه الآية أهل الحرم كلِّه بمعنى مكّة.
ويترسّخ نفس المعنى في قوله عزّ وجلّ:” وَمن حَيثُ خَرَجتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجد الحَرَام وَحَيثُ مَا كُنْتُم فَوَلُّواْ وُجُوهَكُم شَطرَهُ”(البقرة ، 149). فالله أمر نبيّه بأن يولّي وجهه شطر الكعبة، بمعنى أن يعاينها إذا صلّى تلقاءها، وقوله تعالى” وَحَيثُ مَا كُنْتُم “يعني وجوب إستقبال الكعبة ، ثمّ استقبال مكّة المكرّمة من جميع المواضع في نواحي الأرض. وهو دليل على أنّ المقصود بالمسجد الحرام جميع مكّة البلد الحرام .
إنّ مجمل الآيات القرآنية سالفة الذكر تدلّ على أنّ جميع الحرم يُسمّى المسجد الحرام ، وحدوده مضبوطة بالأعلام البالغ عددها ال١١٠٤ أعلام بها نعرف الحرم من الحلّ ، وما يترتّب عن ذلك من أحكام وأفضال .
“جميع بقاع مكّة كلّها تُسمّى المسجد الحرام ، وكلّها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله “، ذلك ما أكّده الشيخ ابن الباز يرحمه الله في مجموع فتاويه. وقد استشهد بحديث الرسول صَلّى الله عليه وسلّم: ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة”، مشدّدا على أنّ هذا الحديث يعُمّ كلّ الحرم ، حتّى لو صَلّى المرء في بيته النافلة يعُمّه الفضل ذلك أنّ صلاة النافلة في البيت أفضل. وأضاف بأنّه باعتبار أنّ صلاة النساء في بيوتهنّ أفضل فيعمّهُن فضل المضاعفة . فجماع قول الشيخ ابن الباز : المسجد الحرام يعُمّ جميع الحرم ، والبلد الحرام كلّه يحصل فيه فضل مضاعفة الأجر . والفريضة يجب أن تُصلّى في المساجد مع الجماعة ، وإذا تيسّر للمؤمن أن يُصلّي في المسجد الذي حول الكعبة كان ذلك أكمل وأفضل ، لأنّه محلّ إجماع.
يمتدّ الحرم المكّي على كامل مكّة بحدودها الشرعية ، المعلومة والمبيّنة بالأعلام ال١١٠٤ المنصوبة على الحدود الفاصلة بين الحرم والحلّ ، سواء في مداخل المدينة المعظّمة أو في المرتفعات والجبال والأودية . ومبادئ التعظيم وقيمه وأحكامه وفضله تعُمّ البلد الحرام جميعًا ، ولا تقتصر على الكعبة المشرّفة والمسجد من حولها فقط . وفي هذا الإطار أكّد الشيخ ابن الباز يرحمه الله، أنّه إذا صَلّى المرء في أيّ مسجد من مساجد مكّة ، نرجو له الفضل، والحديث يعُمّ الحرم كلّه . والمقصود بالحديث قوله صَلّى الله عليه وسلّم : : ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة”.
وأوضح أنّ الفضل يعُمّ ، وأنّ المساجد في مكّة يحصل لمن صَلّى فيها التضعيف الوارد في الحديث . فجميع بقاع مكّة كلّها تُسمّى المسجد الحرام ، وكلّها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله.